عدد المساهمات : 622 النشاط : 0 تاريخ التسجيل : 16/10/2009 العمر : 55 الموقع : منتديات الدعوه الى الله
موضوع: مقتضيات شهادة ان لا اله الا الله الخميس أكتوبر 29, 2009 11:39 pm
مقتضيات شهادة أن لا إله إلا الله لهذه الشهادة العظيمة لوازم وحقوق ومقتضيات من أهمها :- أولاً : البراءة من الشرك الأكبر وصوره : كما تبرأ إبراهيم الخليل عليه السلام من الآلهة الباطلة التي يعبدها قومه من دون الله. قال تعالى : ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ(26)إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ(27)﴾ (الزخرف:26-27) . والشرك الأكبر : اتخاذ شريك لله تعالى فيما هو من خصائص الإلهية، وهو أعظم الذنوب على الإطلاق ، ولا يغفر الله لمن وافاه يوم القيامة مشركاً . قال تعالى﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ (النساء:48) . ومن صوره :اعتقاد شريك لله تعالى في الخلق أو الرزق أو الإحياء أو الإماتة أو جلب النفع أو دفع الضر أو إجابة الدعاء أو علم الغيب. ومن صوره كذلك عبادة وثن أو صنم بسجود له ، أو تعظيم ، أو دعاء ، أو ذبح أو محبة أو خوف ، أو رجاء ونحو ذلك مما لا يجوز التعبد به إلا لله سبحانه وتعالى . قال الله تعالى عن وصية لقمان لابنه﴿ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ (لقمان:13).وسئل النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ ؟قَالَ : أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ .. الحديث(1) ومما هو من جنس الشرك ما يفعله بعض الجهلة من قصد المقابر للاستغاثة بالمقبورين ، وطلب الحوائج منهم ، ورجاء كشف النوائب وحصول المنافع ، ودفع الضرر من جهتهم ، وغير ذلك مما لا يصح طلبه إلا من الله تعالى ، وما يحصل عند تلك الأضرحة من ذبح أو نذر وما أشبه ذلك من الأعمال الشركية المصحوبة بأعمال أخرى سيئة كان لها أثر كبير في تشويه صورة الإسلام والصد عنه . قال تعالى﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ (الأعراف:194). وقال سبحانه﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ(13)إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ(14)﴾ (فاطر:13-14) . وقال سبحانه آمراً نبيه : ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ (الأعراف:188).وقال له أيضاً : ﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ﴾ (الجن:21). وروى الإمام مالك (2)أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ : (اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ)(3) . وذكرت أم سلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها مارية، فذكرت له ما رأت فيها من الصور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ)(4) . وقالت عائشة وعبدالله بن عباس: لما حضرت النبي صلى الله عليه وسلم الوفاة قال: (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا(5) . ومن صور الشرك الحديثة ما يجري داخل البرلمانات من حكم وتشريع بغير ما أنزل الله بتحكيم القوانين الوضعية أو آراء النواب المخالفة لحكم الشرع. قال تعالى﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ (الشورى:21). وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ (المائدة:44). ومنه أيضاً الانتماء للأحزاب المعادية للإسلام ، أو موالاتها على المبادئ المناقضة للدين مثل دعواها أن من حقها أن تحل ما حرم الله ، أو تحرم ما أحل الله وتشرع ذلك للأمة ، ومنه أيضاً تعظيم النظريات الفكرية المخالفة لشرع الله. فمن أعظم مقتضيات لا إله إلا الله البراءة من الشرك بجميع صوره القديمة والحديثة . ثانياً : محبة الله تعالى وطاعته : وذلك لأن العبودية تقتضي غاية الخضوع مع غاية المحبة.(6) قال تعالى﴿… وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّه ِ…﴾: (البقرة:165). قال ابن القيم عن محبة الله تعالى : إنها حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله. قال : لأن الإله هو الذي يألهه العباد حباً وذلاً (7)وقد جاء في صفة صادقي الإيمان أنهم يحبون الله ويحبهم هو سبحانه وتعالى. قال تعالى﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ (المائدة:54). ومن تمام هذه المحبة ، محبة ما يحبه ، وكراهة ما يكرهه ، فمن أحب شيئاً مما يكرهه الله ، أو كره شيئاً مما يحبه لم يكمل توحيده وصدقه في قول لا إله إلا الله . قال الحسن رحمه الله : اعلم أنك لن تحب الله حتى تحب طاعته . وقال يحيى بن معاذ : ليس بصادق من أدعى محبة الله ولم يحفظ حدوده . قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ (آل عمران:31). ثالثاً : عبادة الله وحده لا شريك له : وهي أعظم لوازم ومقتضيات هذه الشهادة قال تعالى : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ (الأنبياء:25). وقال سبحانه : ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ (الإسراء:23). والعبادة : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال والاعتقادات فعلاً أو تركاً . رابعاً : محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعته : محبة الله مستلزمة لمحبة رسوله صلى الله عليه وسلم لأنه المبلغ عن الله بما يحبه وما يكرهه سبحانه ، ولذا قرن الله تعالى محبته بمحبة رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ ءَابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ (التوبة:24). كما قرن طاعته بطاعة رسوله في كثير من المواضع، كقوله تعالى: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ (آل عمران:32) وقوله: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ (النور:52). وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (قَالَ ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) ( خامساً : التسليم المطلق لكل ما جاء من عند الله تعالى في كتابه أو صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ (النساء:65). وهذا التسليم منطلق من إيمان المسلم بكمال علم خالقه به وبمصالحه ، وبكمال فضل الله تعالى عليه ورحمته ولطفه ، وباعتراف المسلم بضعفه حيث أنه بشر محدود العلم لا يدرك جميع الغايات والعواقب . قال تعالى : ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ (البقرة:216). وقال تعالى﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾(الأحزاب:36). وقال سبحانه﴿ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴾ (الحج:34). قال النووي (9)رحمه الله : ولا بد مع التوحيد وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة من الإيمان بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لقوله في حديث أبي هريرة المرفوع : حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ (10). سادساً : الاحتراز من الشرك الأصغر وهو الرياء : وهو إظهار العبادة بقصد رؤية الناس لها ليحمدوا صاحبها ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ : الرِّيَاءُ يَقُولُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمُ : اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً) (11) قال ابن القيم رحمه الله : أما الشرك الأصغر فكيسير الرياء ، والتصنع للخلق، والحلف بغير الله ، وقول الرجل للرجل : ما شاء الله وشئت ، وهذا من الله ومنك ، وأنا بالله وبك ، ومالي إلا الله وأنت ، وأنا متوكل على الله وعليك ، ولولا الله وأنت لم يكن كذا وكذا ، وقد يكون هذا شركا أكبر بحسب حال قائله ومقصده (12) سابعاً : القيام بالأعمال الصالحة : قال النبي r (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ).(13)وقال أبوبكر رضي الله عنه : إن الزكاة حق المال، فحق لا إله إلا الله هو القيام بفرائض الدين، ولذا قاتل الصحابة رضوان الله عليهم من منع الزكاة مع إقراره بالشهادة . وقد مرّ بنا أنه لا يكفي التلفظ بالشهادتين مع عدم القيام بالأعمال الصالحة. قال الله تعالى ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾(آل عمران:32).وقال سبحانه﴿ وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾ (العصر:1-3).وقال تعالى﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾(الحج:77). والقرءان ملئ بوصف المؤمنين بأنهم الذين يؤمنون ويعملون الصالحات.قال تعالى﴿ إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ﴾ (الكهف:107). ثامناً : الولاء والبراء : الولاء والنصرة لكل من شهد هذه الشهادة ، والبراءة ممن جحدها وكفر بها، ولو كان أقرب قريب. قال تعالى ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(55)وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ(56)﴾ (المائدة:55-56). وقال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة:71). وروى الطبراني(14) في الكبير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( أوثقُ عُرى الإيمانِ الموالاةُ في اللهِ والمعاداةُ في الله ، والحبُ في اللهِ والبغضُ في اللهِ)(15) . وقد تبرأ إبراهيم عليه السلام وأصحابه المؤمنون من قومهم لما عبدوا غير الله. قال تعالى: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ (الممتحنة:4). وبين سبحانه أن من والى الكفار فإنه يكون مثلهم ويلحق بهم فقال سبحانه : ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ (المائدة:51). وبين سبحانه أن من والاهم فإنه قد ضل، فقال : ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾(الممتحنة:1).وبين سبحانه أن المؤمن الحق لا يوالي الكافر ولو كان قريباً له.﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا ءَابَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(المجادلة:22). لا إله إلا الله منهج حياة إن معنى العبودية التي هي حقيقة لا إله إلا الله هي الاستسلام والانقياد للخالق سبحانه وتعالى بدون مقاومة أو معارضة . قال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ (النساء:65). والله سبحانه وتعالى هو صاحب المشروعية العليا في الخلق والأمر والحكم. قال تعالى: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ (الأعراف:54). وقال سبحانه : ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ (يوسف:40). فهو سبحانه المالك الحق لكل شئ، وكل ما في الوجود تحت ملكه وسيطرته وهيمنته سبحانه وتعالى. قال سبحانه: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ﴾ (البقرة:116).وقال سبحانه : ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا ءَاتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾ (مريم:93). فجسدك أيها الإنسان وروحك، وأجساد الناس وأرواحهم وما يملكون ملك لله الواحد القهار. قال سبحانه: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (آل عمران:26). وأنفس الناس وأموالهم وكل ما هو مسخر لهم إنما هو ودائع لديهم يرثها الله تعالى منهم ، حين فنائهم. ولما كان الله سبحانه هو المالك ، وجب أن يخضع كل شئ في هذا الكون لأمره ودينه. وواجبك أيها المسلم ، أن تخضع حياتك كلها لربك وخالقك ، بما في ذلك شؤونك الشخصية والأسرية والمالية والفكرية والعملية، وأن تسعى لتكون كل علاقاتك بمن حولك وكل تصرفاتك فيما تملك خاضعة لأمر خالقك وإلهك رب السموات والأرض. فلا يبقى جزء من تصرفاتك أو حياتك خارجاً عن شريعة الله سبحانه وعن حكمه. قال تعالى : ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(162)لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ (الأنعام:162-163). ويجب عليك أن تسعى لدعوة مجتمعك في القرية أو المدينة أو الدولة بل والعالم بأكمله لتحقيق العبودية التامة لله سبحانه وتعالى ، والخضوع له سبحانه في كل شؤون حياتهم العبادية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإدارية والقانونية والحربية والفكرية والثقافية وسائر مجالات الحياة . كما عليك أن تسعى لتسخير ما خلق الله من النبات والحيوان والطاقات وفق أمر الله جل وعلا ، وأن تكون علاقتك بالناس وبسائر ما خلق الله تدور في دائرة العبودية لله جل وعلا ، وحينئذ تكون قد حققت العبودية التامة لله جلا وعلا التي هي حقيقة لا إله إلا الله. ما يتناقض مع لا إله إلا الله هناك اعتقادات وأعمال وأقوال من أتى بشيء منها نقض إيمانه بهذه الشهادة العظيمة وأحبط عمله ، وذلك كالردة عن الدين. قال تعالى﴿… وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ (المائدة:5). ومعنى حبوط عمل الإنسان : بطلانه وخسارة أجره (16) . وإليك بعض نواقض شهادة أن لا إله إلا الله : أولاً : نواقض في الاعتقاد : أ) إنكار الخالق سبحانه وتعالى وجحوده : قال تعالى ﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ (الجاثية:24). ب) اعتقاد شريك لله تعالى في ربوبيته : كأن يعتقد أن غير الله له قدرة على الخلق أو الرزق أو الإحياء أو الإماتة أو علم الغيب أو ملك النفع والضر ، أو قضاء الحوائج ، وتفريج الكربات، وإجابة الدعوات، ونحو ذلك من الأعمال التي لا يقدر عليها إلا الله . قال تعالى : ﴿… أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ (الرعد:16).وقال تعالى : ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ (الروم:40). وقال تعالى ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ (الزمر:65). ج) اعتقاد شريك له سبحانه في الألوهية : كأن يعتقد أن غير الله تعالى يستحق العبادة ، أو شيئاً منها كالمحبة المقترنة بالخضوع والذل. قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ﴾ (البقرة:165). د) اعتقاد شريك له سبحانه في أسمائه وصفاته : قال تعالى ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ (الأعراف:180). عن ابن عباس رضي الله عنه:إلحاد الملحدين أن دعوا اللات في أسماء الله. وقال ابن جريج(17) عن مجاهد(18) : اشتقوا اللات من الله ،والعزى من العزيز. وقال قتادة(19) :يلحدون : يشركون في أسمائ(20) . ثانياً : نواقض في القول : أ) دعاء غير الله تعالى أو الاستغاثة به لجلب النفع أو دفع الضر. قال تعالى ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ﴾ (الأحقاف:5).وقال سبحانه ﴿ وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾: (النحل:86) . وقال سبحانه﴿ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ﴾ (الحج:12). وقال تعالى : ﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ (فاطر:14). ب) سب الله تعالى أو الاستهزاء به سبحانه أو بصفة من صفاته. قال تعالى: ﴿… قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ(65)لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)﴾ (التوبة:65-66). ج) إعلان الكفر بالألوهية أو الربوبية أو الأسماء والصفات. د) الدعوة إلى مايناقض لا إله إلا الله من الإلحاد والشرك والمبادئ الكفرية. أو أي قول يناقض حقيقة لا إله إلا الله. ثالثاً : نواقض في العمل : كصرف شئ من العبادات العملية لغير الله تعالى كالسجود للشمس والقمر. قال تعالى﴿ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ (فصلت:37). أو امتهان لكلام الله تعالى (القرآن). دمغ الشبهات اقتراحات وشروط : لقد خلق الله الإنسان ، وخلق له أدوات يكتسب بها العلم والهداية من ربه ، وأقام له البينات التي تملأ الأرض والسموات وتتجلى في خلقه وتكوينه ، وأرسل له رسله وأيدهم بالمعجزات الجليات الواضحات الشاهدة بصدقهم ، ومنحه عقلاً يستدل به على ربه وصدق رسله ، وجعل في فطرته شاهداً على الإيمان به سبحانه ، فأبى المتكبرون المغرورون أن يسلكوا الطريق الذي أقامه الله للإيمان به وبرسله ، وأخذوا يقترحون مقترحات فاسدة ، ويشترطون شروطاً باطلة تصد الناس عن الإيمان بالله ورسله ، وتشبّه طريق الحق الذي أقامه الله للإيمان به وبرسله. وهؤلاء يقال لهم : 1- أتجعلون من أنفسكم أندادا لله سبحانه وتعالى، فتقترحون الطريقة التي بها تعرفون خالقكم وإلهكم؟ فمن أنتم حتى تشترطوا الكيفية التي بها تعرفون الله سبحانه وتعالى؟ إن هذا لغرور وكبر وتطاول. قال تعالى﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي ءَايَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ (غافر:56). 2- لو أن الذي خلق لكم أدوات العلم أخذها منكم فبم تكتسبون هذا العلم وبأي شئ تتطاولون؟ قال تعالى : ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ﴾ (الأنعام:46).فالعاقل موقفه استعمال أدوات العلم وتوجيهها إلى مصادر العلم ليكتسب الإيمان ، ولا يشترط على خالقه شيئاً . 3- ولو أن الله استجاب لمقترحات الكافرين واشتراطاتهم لازدادوا عتواً ونفوراً وعناداً وكفراً ، ولفسد نظام الأرض والسماء . قال تعالى: ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ ﴾ (المؤمنون:60). 4- ولقد أقام الله الحجج الكافية لتعريف الناس به واثبات صدق رسله ، فانتفع بها أهل العقول فآمنوا بربهم وبرسله ، فأي حجة تبقى للكافرين؟ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ (الشورى:16). بعض مقترحات الكافرين وشبههم أولاً : مقترح اليهود أن يروا الله جهرة : لقد ذكر القرآن الكريم بعض مقترحات اليهود التي تدل على كفرهم وعنادهم ، حيث طلب قوم موسى عليه السلام أن يروا الله جهرة كي يؤمنوا بما جاءهم به. قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾(البقرة:55). ورداً على هذه الشبهة التي تشترط رؤية الله جل وعلا للإيمان به نقول : 1- إن العين البشرية هي آلة الإبصار عند الإنسان ، وهذه الآلة محدودة القدرة على الرؤية والإبصار، فهي لا ترى إلا ضمن نطاق محدود من الموجات الإشعاعي21 . ولا يستطيع الإنسان بالعين المجردة رؤية الأشياء المتناهية في الصغر كالفيروسات والجراثيم والميكروبات مع إيمانه بوجودها عن طريق مشاهدتها مكبرة، أو عن طريق إخبار الثقات بها. ويؤمن الإنسان بوجود الجاذبية والهواء مع أنه لا يرى إلا آثارهما كجذب الأرض للأشياء وسقوطها عليها ، وكتحريك الهواء لأغصان الشجر. وتعجز العين البشرية عن النظر مباشرة لأشعة الضوء المنبعثة من الشمس ، فأنى لهذه الآلة الضعيفة أن تحتمل النظر إلى نور الله جل وعلا .ولذلك عندما طلب نبي الله موسى عليه السلام أن يرى ربه سبحانه وتعالى لم يستطع تحمل أثر تجلى الله سبحانه وتعالى للجبل فخر صعقا. قال تعالى : ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ (الأعراف:143). (وعَن أَبِي مُوسَى قَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يَنَامُ وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ وَلَكِنَّهُ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِه)ِ(22) . هذا من حيث عجز البصر البشري عن القدرة على احتمال قوة الضوء التي يراها ، أما من حيث المسافة فإن البصر يعجز عن رؤية ما بعد عنه ، فهو يرى الطائرة التي تقل مئات الركاب تختفي أمام عينيه في السماء ، ويرى الأجرام السماوية بأحجام صغيرة بينما بعضها أكبر من الأرض بملايين المرات ، وكثير منها لا تراها العين المجردة . والمسافة بيننا وبين الشمس تصل إلى ثلاثة وتسعين مليون ميل تقريباً ، يقطعها الضوء في مدة ثمان دقائق وثلث تقريباً. ولا يصل الضوء إلينا من أقرب مجرة(23) إلا بعد أن يسافر مدة مليون سنة ، وأبعد شعاع رصده الإنسان وصل إلينا بعد أن سافر ما يقرب من اثني عشر مليار عام ، وهو في كل ثانية يقطع ثلاثمائة ألف كيلومتر تقريباً ، فكم قطع هذا الشعاع من المسافة في اثني عشر مليار عام ؟!وقد ذكر الله سبحانه في القرآن أنه قد جعل النجوم والكواكب زينة للسماء الدنيا فقال﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ (الملك:5).وقال تعالى ﴿ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ﴾ (الصافات:6).فكل هذه الأجرام السماوية لا تزال في مجال زينة السماء الدنيا ، فأين مكان السماء الدنيا ، ثم أين مكان السماء الثانية والثالثة إلى السابعة ، ثم إن هذه السموات السبع بالنسبة للكرسي كحلقة رميت في فلاة ، ونسبة الكرسي إلى العرش كنسبة تلك الحلقة إلى الفلاة أيضاً كما جاء في الحديث النبوي(24). والرحمن سبحانه على العرش استوى، فأنى لبصر تقيده المسافات أن يرى رب العرش سبحانه أو يحيط به. وإن من يشترط لإيمانه رؤية الله سبحانه وتعالى مثله كأحمق في غرفة نوم، أخذ لحافه ووضعه على رأسه، وجعل فيه ثقبا صغيراً، ووجه الثقب إلى فتحة الباب، وقال : يقول الناس : إن هناك قارة تسمى أمريكا وأنا لم أرها إذن لا أصدق بوجودها ! إن الذين يشترطون أن يروا الله جل وعلا بهذه الآلة الصغيرة لهم أشد جهالة من هذا الأحمق ، قال تعالى: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ (الأنعام:103). 2- إننا لو طبقنا قاعدة بني إسرائيل أنهم لا يؤمنون إلا بما شاهدوا للزم أن نغلق المدارس ومحطات الإذاعة والصحف والمجلات، وأن نعلن حرباً على المتخصصين الذين يطلبون منا أن نصدقهم بأمر لم نشاهده نحن. وإننا لو التزمنا بهذه القاعدة واعتبرنا من آمن بأمر غيبي مخطئاً للزم من ذلك عدم تصديق أي خبر ، وعندئذ ماذا سيفعل الطلاب مع أساتذتهم الذين يعلمونهم ؟ وماذا سيفعل السامعون مع أجهزة الأعلام وهي تتحدث إليهم؟ إذن لابد أن نغلق على أنفسنا كل باب من أبواب المعلومات إلا ما وقع تحت دائرة الحواس ، وعندئذ تصبح معلومات الإنسان والحيوان سواءً ! فهل نتعنت كما تعنت اليهود الذين لم يعرفوا قدر البصر وإمكاناته المحدودة ، ولم يعرفوا قدر الله جل وعلا، فأرادوا الإحاطة بالعظيم الجليل بآلة الإبصار الصغيرة الضعيفة العاجزة، فاشترطوا أن يروا الله العظيم سبحانه لكي يؤمنوا . 3- أن وسائل العلم البشرية محدودة، فلا نستطيع أن نرى كل شئ، إما لصغره كالذرات ، أو للطفه كالهواء ، أو لبعده كالمجرات البعيدة ، وهذه الحقيقة يعرفها العلماء التجريبيون، وهي حقيقة عجز البصر عن إدراك الأشياء كلها ؛ لذلك فهم يسعفون البصر المحدود إذا عجز عن رؤية الحقائق بالنظر في آثارها المشاهدة للاستدلال على تلك الحقائق التي لا يدركها مثل موجات الإذاعة التي لا ترى بالمشاهدة، ولكن تدرك بواسطة أجهزة المذياع ، أو بالتلقي من الخبراء والمختصين الذين يعلمون ما لم يدركه بصر السائل ، فيقبل الناس ذلك العلم منهم بثقة واطمئنان؛ لأنهم أصحاب علم واختصاص .وبالطريقين السابقين (بمشاهدة الأثر الذي يدل على المؤثر، أو السماع من مصدر موثوق) يستدل المؤمن على إيمانه بالله سبحانه وتعالى، فهو يستدل بالآتي: 1- بالآثار والمخلوقات التي تملأ الأرض والسماء ، الدالة على بعض صفات الله ، وبإجابة الله لدعاء المؤمنين والمضطرين . 2- بواسطة التلقي من الرسل عليهم الصلاة والسلام والذين هم أعلى البشر ثقة واختصاصاً وعلماً بالله عزوجل ، قال تعالى : ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ﴾ (الفرقان:59). ثانياً : مقترح كفار قريش" إذا كان الله موجوداً فليفعل ما نريد " وهؤلاء كفار قريش يشترطون على رسول الله r ﴿ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا(90)أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا(91)أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا(92)أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا(93)﴾(الإسراء:90-93). وتوضيحاً لهذا الأمر نقول : 1- إن هؤلاء كسائر قادة الإجرام في كل مكان وزمان يبتكرون الشبهات لخداع الناس فيخدعون أنفسهم، و يصدون الناس عن هدى ربهم، ويشترطون الاشتراطات التي تدل على تكبرهم على الحق ، قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ(123)وَإِذَا جَاءَتْهُمْ ءَايَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ(124)﴾(الأنعام:123-124). 2- ولقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى الإعراض عن هذه المطالب التعنتيه والشروط التعسفية؛ لأن في الاستجابة لها فساد السماوات والأرض. h مثـــال : لو أن ملكا لبلاد أو رئيسا لدولة ، أنكر شخص أو جماعة من الناس أنه الحاكم لتلك البلاد وطلبوا منه دليلاً على أنه الحاكم ، فقالوا له : إذا كنت تحكم هذه البلاد فهذا الحجر يقع داخل دولتك انقله من مكان إلى آخر ! فقال: ها أنا ذا قد فعلت ، ونقل الحجر ! قال آخر : أما أنا فلا أصدق أنك تحكم هذه البلاد إلا إذا نقلت هذا القلم من مكانه ! فقال الملك أو الرئيس: ها أنا ذا قد فعلت ، ونقل القلم ! وقال آخر : وأنا أريد منك أن تغسل هذا الكأس ! وقال آخر: أما أنا فأشترط عليك أيها الملك أوالرئيس إذا أردت أن أصدق أنك الحاكم لهذه الدولةأن تقتل فلاناً ! إننا نجزم بأن الحاكم الذي يستجيب لمثل هذه المقترحات لاشك سفيه . ولكن الحاكم الذي يحترم نفسه سوف يقول : من أراد أن يعرف أني أنا الحاكم لهذه البلاد فعليه أن يسأل ليعرف أني أنا الذي أشكل الحكومات ، وأقيل الوزارات ، وأعقد المعاهدات الدولية، وأصرف الميزانيات ، وأعلن الحرب ، وأشكل الجيوش . أما نقل حجر، أو قلم ، أو غسل كأس ، فذلك يفعله أي واحد في دولتي ، فمن أراد أن يعرفني فبتلك الأعمال التي لا يقدر عليها إلا من كان ملكاً أو رئيسا . ولله المثل الأعلى، فلو أن الله جعل الطريق للإيمان هو أن يستجب لمقترحات الكافرين واشتراطاتهم فإن كل كافر سيقترح اقتراحاً ويشترط شروطاً لو استجاب الله لها لفسد نظام الكون، فهذا سيشترط لإيمانه أن يجعل الله الليل نهارا والنهار ليلاً ، وآخر يشترط أن يجعل الله الرجال نساء والنساء رجالاً، وآخر يشترط أن يجعل الله الأرض سماءاً والسماء أرضاً، وآخر يشترط لإيمانه أن يقتل فلانا أو يدمر شعباً، فيفسد نظام الكون، قال تعالى: ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ ﴾ (المؤمنون:71). 3- وإذا كان الله لا يستجيب لتعنت الكافرين وحماقات الجاهلين ، فإنه قد أقام الأدلة على الإيمان به سبحانه ، وذلك بالأعمال التي لا يقدر عليها إلا هو سبحانه وتعالى مثل : خلق السماوات والأرض ومن فيهن، وتقليب الليل والنهار، وخلق الموت والحياة، وتدبير شأن سائر المخلوقات، وأمثال هذه الآيات التي لا يقدر عليها إلا الله سبحانه قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ (النمل:60). إن هؤلاء الحمقى لم يتأدبوا مع الله كما تأدب المؤمنون الذين طلبوا من الله قضاء حوائجهم مؤمنين به ومستغيثين به فيستجيب الله دعاءهم ويقضي حاجتهم ، وظاهرة إجابة الله لدعاء المؤمنين والمضطرين حقيقة يعرفها المؤمنون، ومنها ما تعرفه الشعوب الإسلامية من إجابة الله لدعاء المصلين في صلاة الاستسقاء بإغاثتهم بالمطر وقت الجفاف الذي ينزل في موطن المستسقين . ثالثاً: شبهة الشيطان وكفار العصر: لقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن شبهة انتشرت في عصرنا وأخذ الملاحدة يروجونها ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لن يبرحَ الناسُ يتساءلونَ حتى يقولوا : هذا اللهُ خالقُ كلِ شئٍ ، فمنْ خلق اللهَ ؟!)(25) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ : مَنْ خَلَقَ كَذَا ؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا ؟ حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ)(26).وتعتمد هذه الضلالة على أساس باطل هو التسوية والمشابهة والمماثلة بين الخالق ومخلوقاته في الصفات والخصائص ، وينطلق الشيطان من قاعدة التسوية هذه ليوجه السؤال قائلاً: هذا خلْقُ الله فمن خلَقَ الله؟ ومعنى السؤال إذا كنا نجد أن أول ما تتصف به هذه المخلوقات هو أنها مفتقرة إلى خالقها، ومحتاجة إلى بارئها فلا يكون لها وجود إذا لم يوجد خالقها ، فكذلك يجب أن يتصف الخالق بنفس ما اتصفت به مخلوقاته فهو محتاج مفتقر مثلها. وعندئذ يكون محتاجا ًفقيراً لمن يخلقه كما احتاجت هي إلى خالقها . ولدمغ هذه الضلالة الشيطانية نقول : 1) من الذي قرر بأن ما تتصف به المخلوقات لا بد أن يتصف به الخالق؟ (أستغفر الله) ومن الذي قرر أن كل ما يحتاج ويفتقر إليه المخلوق لا بد أن يكون الخالق مفتقراً ومحتاجاً ، إليه حتى أصبح الخالق ومخلوقاته متساويين في الصفات وفي الاحتياج؟ (أستغفر الله) . 2) إن الخالق غير مخلوقاته التي أوجدها وسيرها ، فيجب أن تختلف صفاته عن صفات مخلوقاته ، كما أن الإنسان غير مصنوعاته التي صنعها واخترعها ، فمثلاً : إن النجار الصانع للباب له صفات غير صفات الباب، فالباب يحتاج إلى طلاء وإلى مسامير ومفتاح ، وإنه لمن السخف أن نقول بأن النجار يحتاج إلى مسامير وإلى مفتاح وطلاء، وبالمقابل فإن النجار يحتاج إلى أن يأكل ويشرب وينام ويتزوج، فلا يمكن أن نقول متى يأكل الباب ومتى يشرب ومتى ينام ومتى يتزوج ؟ لأن هذا لا يقوله عاقل .ولو اتحدت صفات الباب والنجار لكان الباب نجاراً والنجار باباً ولكانا شيئاً واحداً .وما يتصف به الخالق سبحانه من عظيم الصفات يجب أن يخالف ما تتصف به مخلوقاته وإلا لكان الجميع شيئاً واحداً، فتكون المخلوقات خالقاً والخالق مخلوقاً وهذا محال.فإذا كانت المخلوقات فقيرة إلى ربها محتاجة في وجودها إلى خالقها كما هو المشاهد من حالها ، فإن الله سبحانه هو الغني الصمد الذي لا يفتقر إلى غيره بل يفتقر إليه كل مخلوق ، وتلك صفات من صفات ربنا، تخالف صفات مخلوقاته. قال تعالى﴿… لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ (الشورى:11). 3- والكون الزاخر بالمخلوقات التي لا تحصى ولا تعد شاهد بأن رب هذا الكون غني لا يحتاج إلى غيره ولا يفتقر إلى سواه . 4- أما من عاند وأصر على وصف الخالق بما يتصف به المخلوق فيلزمه من ذلك أن ينكر وجود نفسه، ووجود كل ما في هذا الكون الفسيح المشاهد، وهذه ضلالة كبرى. ذلك لأنه لا يبقى غير الخالق ومخلوقاته إلا العدم المطلق . وإذا احتاج الخالق إلى من يخلقه (أستغفر الله) فسيحتاج عندئذ إلى العدم ، والعدم لا يخلق شيئاً ، إذن فلا وجود للخالق (أستغفر الله) وستحتاج المخلوقات عندئذ إلى العدم ليخلقها ، والعدم لا يفعل شيئاً ، إذن فلا وجود للمخلوقات ولا لصاحب السؤال والشبهة !! لكن وجود هذه الكائنات يشهد بأن الله خلقها ، ولم تخلق نفسها ولا العدم خلقها، ووجود هذه الكائنات يشهد أيضاً بأن الخالق سبحانه غني صمد تحتاج إليه جميع المخلوقات ولا يحتاج إلى أحد ، وصفته هذه تختلف عن صفات مخلوقاته ؛ لأن الخالق لابد أن تختلف صفاته عن صفات مخلوقاته . أما إذا افترضنا التسلسل : فإننا سنصل في النهاية إلى ما وصلنا إليه سابقاً ، وهو إما أن يكون جميع أفراد السلسلة عاجزين فقراء محتاجين إلى من يخلقهم، وليس بعد هذه السلسلة التي تضم المخلوقات وسلسلة الخالقين (أستغفر الله) إلا لعدم، والعدم لا يخلق شيئا، وإذن فلا وجود لمن يخلق هذه المخلوقات التي نحن منها، إذن فالجميع عدم ولا وجود لهذا الكون، ولا وجود لنا أيضاً. ولكن إلغاء وجودنا مستحيل وباطل، وما لزم من المستحيل والباطل فهو مستحيل وباطل. وإما أن ترجع هذه السلسلة إلى الخالق القادر الغني الصمد الذي تفتقر جميع المخلوقات إليه ولا يفتقر إلى غيره ، الذي له من الصفات العلي مالا تتصف به مخلوقاته قال تعالى: ﴿… وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ…﴾ (هود:123). وعندئذٍ لا يبقى إلا الخالق الغني الصمد ومخلوقاته المحتاجة إليه. قال تعالى : ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ(2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ(4)﴾ (الإخلاص:1-4). ومن أبى الإيمان بهذا فيلزمه أن ينكر وجوده ، ووجود كل ما في هذا الكون البديع من مخلوقات. و إذا لقيت أيها المسلم من وقعت في نفسه هذه الشبهة فعلمه أن يقول : آمنت بالله ، ومره فليستعذ بالله ، وينتهى عن التفكير والاسترسال مع هذه الشبهة الشيطانية ، كما علمنا ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم(27) . وتأمل في شهادة العالم الغربي الدكتور ماريت ستانلي كونجدن ، وهو عضو الجمعية الأمريكية الطبيعية والأخصائي في الطبيعة وعلم النفس وهو يقول : ومما لا شك فيه أننا نحتاج في محاولتنا إلى وصف الخالق ومعرفة صفاته إلى مصطلحات ومعان تختلف اختلافاً بيناً عن تلك التي نستخدمها عندما نصف عالم الماديات ، وبخاصة بعد أن تبين لنا أن هذا الكون الذي نعيش فيه لا يمكن أن يكون مادة صرفاً وإنما هو مادة وروح ونار، أو مادة وغير مادة ولا نستطيع أن نصف الأشياء غير المادية بالأوصاف المادية وحدها . إن صفات الله العلي وكماله القدسي حقيقة قائمة ، يشهد بها كل ما في الكون وتتحدث بها الفطرة البشرية ، فكل إنسان منا يشعر أن فيه نقصاً دون الكمال ، ويشعر عندما يرى أي شئ أن هناك ما هو أكمل منه، فهذا الشعور الذي نحسه بوجود نقص في كل ما نشاهده، باعثه الأصلي في النفس إحساس الفطرة بوجود من يتصف بالصفات العليا وله الأسماء الحسنى،حتى رأت كل شئ ناقصاً، إحساساً منها بوجود الكامل العظيم سبحانه وتعالى.