دمعة ندم المـديـر العـــام
عدد المساهمات : 622 النشاط : 0 تاريخ التسجيل : 16/10/2009 العمر : 55 الموقع : منتديات الدعوه الى الله
| موضوع: القيم والمعاني في مناسك الحج الأحد أكتوبر 25, 2009 6:03 pm | |
| الحج عبارة عن مجموعة من المناسك والشعائر، وجملة من الافعال والاقوال.. تنتظم جميعها في أطر زمنية، ومكانية محددة، لتجسد بمجموعها معنى تعبدياً، وعملاً تربوياً يساهم في بناء شخصية المسلم، ويعمل على إعادة تنظيمها، وتصحيح مسيرتها في الحياة، ويسدد وجهتها ومسارها إلى الله. فعبادة الحج بصيغتها العامة من الاقوال والافعال التعبدية التي يمارسها الحاج توحي للنفس بمعاني كثيرة فتشعرها بجلال الموقف، وروعة الخشوع والعبودية لله سبحانه، وتزرع فيها مكارم الاخلاق، وتقودها إلى استقامة السلوك وحسن المعاشرة. ففي كل فعل، ونداء، ومناجاة في مناسك الحج; رمز يوحي إلى النفس بمعنى، واداء يعبِّر عن سرّ وغرض تستوحيه النفس في تعاملها معه. فالاحرام، والتلبية، والطواف، والسعي، والوقوف بعرفات... الخ، كلّها أفعال ذات مغزى، ومشاعر ذات معنى عميق يجب أن يحسّها الحاج، ويتمثّل معانيها. لذا كانت قيمة الحج التعبدية، وآثاره التكاملية على النفس والسلوك لاتتحقّق بالممارسة الميكانيكية الميتة، والخالية من استلهام المعاني والقيم الكامنة خلف الممارسات الشكلية، بل يحقق الحج أهدافه بوعي الحاج، وتفاعله نفسياً وفكرياً مع كل فعل يقوم به، أو نداء يطلقه، أو مناجاة يردِّدها، وإلاّ فالحاج سائح يتجوّل في عالم المشاهد والاثار، لم يحقِّق من أهداف الحج شيئاً، ولم تنطبع على صفحة نفسه منه عبرة. وكم كان عميقاً وعي أولئك الاتقياء لمداليل الحج وأهدافه. وكم كان رائعاً تصويرهم له، وتعبيرهم عنه، لانهم عاشوه حقيقة متفاعلة مع أنفسهم وأرواحهم، ولغة رمزية تنطق بها أحاسيسهم، ومشاعرهم. ولنأخذ نموذجاً واعياً لهذا الفهم الفوري العميق لمضامين الحج، ومستوحياته، فنقرأ تفسير الامام علي بن الحسين السجاد (ع) حيث كشف عن المضامين الرمزية، والمعاني المستوحاة من كل أداء تعبُّدي في فريضة الحج.. تلك الفريضة التي يستشعر القارئ من تفسير الامام لمناسكها أنها وضعت لتستوعب أهداف الاسلام ومعانيه، بطريقة حسية رمزية; يمارسها الحاج ضمن أكبر تجمُّع بشري في رحاب العبادة والوقوف بين يدي الله سبحانه. فقد روي عن الامام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) أنّه لمّا رجع من الحج استقبله أحد الحجاج (الشبلي)، فقال له الامام (ع): «حججت يا شبلي؟ قال: نعم يا ابن رسول الله. فقال (ع): أنزلت الميقات وتجردت عن مخيط الثياب واغتسلت؟؟.. قال: نعم.. قال: فحين نزلت الميقات نويت أنك خلعت ثياب المعصية، ولبست ثوب الطاعة؟ قال: لا.. قال: فحين تجرّدت عن مخيط ثيابك نويت أنك تجرّدت عن الرياء والنفاق والدخول في الشبهات؟ قال: لا.. قال: فحين اغتسلت نويت أنّك اغتسلت من الخطايا والذنوب؟ قال: لا.. قال: فما نزلت الميقات، ولا تجرّدت عن مخيط الثياب، ولا اغتسلت. ثمّ قال (ع): حين تنظّفت، وأحرمت وعقدت الحج نويت أنّك تنظّفت بنور التوبة الخالصة لله تعالى؟ قال: لا.. قال: فحين أحرمت نويت أنّك حرّمت على نفسك كل محرّم حرّمه الله عزّ وجلّ؟ قال: لا.. قال: فحين عقدت الحج نويت أنّك قد حللت كل عقد لغير الله؟ قال: لا.. قال له (ع): ما تنظّفت، ولا أحرمت، ولا عقدت الحج. ثمّ قال (ع) له: أدخلت الميقات وصلّيت ركعتي الاحرام ولبّيت؟؟ قال: نعم.. قال: فحين دخلت الميقات نويت أنّك بنيّة الزيارة قال: لا.. قال: فحين صلّيت الركعتين نويت أنّك تقرّبت إلى الله بخير الاعمال من الصلاة، وأكبر حسنات العباد؟ قال: لا.. قال له (ع): ما دخلت المقيات ولا لبّيت. ثمّ قال له: أدخلت الحرم، ورأيت الكعبة وصلّيت؟ قال: نعم. قال: فحين دخلت الحرم نويت أنّك حرمت على نفسك كل غيبة تستغيبها المسلمين من أهل ملة الاسلام؟ قال: لا.. قال: فحين وصلت مكة نويت بقلبك أنّك قصدت الله؟ قال: لا.. قال (ع): فما دخلت الحرم، ولا رأيت الكعبة، ولا صلّيت.. ثمّ قال(ع): طفت بالبيت، ومسست الاركان وسعيت؟ قال: نعم. قال (ع): فحين سعيت نويت أنّك هربت إلى الله، وعرف ذلك منك علاّم الغيوب؟ قال: لا.. قال: فما طفت بالبيت، ولا مسست الاركان، ولا سعيت. ثمّ قال (ع) له: صافحت الحجر، ووقفت بمقام إبراهيم (ع)، وصلّيت به ركعتين؟ قال: نعم; فصاح (ع) صيحة كاد يفارق الدنيا بها ثمّ قال (ع) آه آه. وقال: من صافح الحجر الاسود فقد صافح الله تعالى، فانظر يا مسكين ولا تضيِّع أجر ما عظم حرمته، وتنقض المصافحة بالمخالفة وقبض الحرام، نظير أهل الاثام. ثمّ قال (ع): نويت حين وقفت عند مقام إبراهيم أنك وقفت على كل طاعة، وتخلفت عن كل معصية؟ قال: لا.. قال (ع): فحين صلّيت ركعتين نويت أنّك بصلاة إبراهيم (ع)، وأرغمت بصوتك أنف الشيطان؟ قال: لا.. قال (ع): فما صافحت الحجر الاسود، ولا وقفت عند المقام، ولا صلّيت فيه الركعتين. ثمّ قال (ع) له: أأشرفت على بئر زمزم، وشربت من مائها؟ قال: نعم.. قال (ع): نويت أنك أشرفت على الطاعة، وغضضت طرفك عن المعصية؟ قال: لا.. قال (ع): فما أشرفت عليها، ولا شربت من مائها. قال (ع): أسعيت بين الصفا والمروة، ومشيت وتردّدت بينهما؟ قال: نعم.. قال (ع): نويت أنّك بين الرجاء والخوف؟ قال: لا.. قال (ع): فما سعيت، ولا مشيت، ولا تردّدت بين الصفا والمروة. ثمّ قال (ع): خرجت إلى منى؟؟ قال: نعم.. قال (ع): نويت أنّك أمنت الناس من لسانك وقلبك ويدك؟ قال: لا.. قال (ع): فما خرجت إلى منى. ثمّ قال (ع) له: أوقفت الوقفة بعرفة؟ وطلعت جبل الرحمة وعرفت وادي نمرة، ودعوت الله سبحانه عند الميل والحجرات؟ قال: نعم.. قال (ع): هل عرفت بموقفك بعرفة معرفة الله سبحانه، أمر المعارف والعلوم، وعرفت قبض الله على صحيفتك، واطلاعه على سريرتك وقلبك؟ قال: لا.. قال (ع): نويت بطلوعك جبل الرحمة أن الله يرحم كل مؤمن ومؤمنة، ويتولّى كل مسلم ومسلمة؟ قال: لا.. قال (ع): فنويت عند النمرة أنّك لاتأمر حتى تأتمر، ولا تزجر حتى تنزجر؟ قال: لا.. قال (ع): فعندما وقفت عند العلم نويت أنّها شاهدة لك على الطاعات، حافظة لك مع الحفظة بأمر ربّ السماوات؟ . قال: لا.. قال (ع): فما وقفت بعرفة، ولا طلعت جبل الرحمة، ولا عرفت نمرة، ولا دعوت، ولا وقفت عند النمرات. ثمّ قال (ع): مررت بين العلمين، وصليت قبل مرورك ركعتين، ومشيت بمزدلفة، ولقطت فيها الحصى، ومررت بالمشعر الحرام؟ قال: نعم.. قال (ع): فحين صليت ركعتين نويت أنها صلاة شكر في ليلة عشر تنفي كل عسر، وتيسر كل يسر؟ قال: لا.. قال (ع): فعندما مشيت بين العلمين، ولم تعدل عنهما يميناً وشمالاً، نويت أن لاتعدل عن دين الحق يميناً وشمالاً، لا بقلبك، ولا بلسانك، ولا بجوارحك؟ قال: لا.. قال (ع): فعندما مشيت بمزدلفة، ولقطت منها الحصى نويت أنّك رفعت عنك كل معصية وجهل، وثبت كل علم وعمل؟ قال: لا.. قال (ع): فعندما مررت بالمشعر الحرام نويت أنّك أشعرت قلبك أشعار أهل التقوى والخوف لله عزّ وجلّ؟ قال: لا.. قال (ع): فما مررت بالعلمين، ولا صليت ركعتين، ولا مشيت بالمزدلفة، ولا رفعت منها الحصى، ولا مررت بالمشعر الحرام. ثمّ قال (ع): وصلت منى ورميت الجمرة، وحلقت رأسك، وذبحت هديك، وصلّيت في مسجد الخيف، ورجعت إلى مكّة، وطفت طواف الافاضة؟ قال: نعم.. قال (ع): فنويت عندما وصلت منى، ورميت الجمار أنّك بلغت إلى مطلبك، وقد قضى ربّك بك كل حاجتك؟ قال: لا.. قال (ع): فعندما رميت الجمار نويت أنك رميت عدوك إبليس، وعصيته بتمام حجك النفيس؟ قال: لا.. قال (ع): فعندما حلقت رأسك نويت أنّك تطهّرت من الادناس، ومن تبعة بني آدم، وخرجت من الذنوب كما ولدتك اُمّك؟ قال: لا.. قال (ع): أفعندما صلّيت في مسجد الخيف نويت أنّك لاتخاف إلاّ الله عزّ وجلّ وذنبك، ولا ترجو إلاّ رحمة الله تعالى؟ قال: لا.. قال (ع): فعندما ذبحت هديك نويت أنّك ذبحت حنجرة الطمع بما تمسّكت بحقيقة الورع، وأنك اتبعت سنّة إبراهيم (ع) بذبح ولده وثمرة فؤاده وريحانة قلبه وحاجة سنته لمن بعده، وقربه إلى الله تعالى لمن خلفه؟ قال: لا.. قال (ع): فعندما رجعت إلى مكة، وطفت طواف الافاضة، نويت أنّك أفضت من رحمة الله تعالى، ورجعت إلى طاعته، وتمسّكت بودِّه، وأدّيت فرائضه، وتقرّبت إلى الله تعالى؟ قال: لا.. قال له زين العابدين (ع): فما وصلت منى، ولا رميت الجمار، ولا حلقت رأسك، ولا ذبحت، ولا أدّيت نسكك، ولا صلّيت في مسجد الخيف، ولا طفت طواف الافاضة، ولا تقرّبت، أرجع فانّك لم تحج. فطفق (الشبلي) يبكي على ما فرّط في حجّه، وما زال يتعلّم حتّى حجّ من قابل بمعرفة ويقين»(34). وهكذا كان الائمة من أهل البيت (ع) يؤدّون مناسكهم وعباداتهم، وهكذا كانوا يربون المسلمين على فهم عباداتهم، والتفقّه في دينهم، ليكونوا واعين لما يؤدّون، ومدركين لما يفعلون. وهكذا يجب أن تمارس عبادة الحج بأفعالها التي فرضها الله سبحانه، فيدرك هدف كل فعل فيها، ومغزى كل شعار ومنسك.
| |
|