دمعة ندم المـديـر العـــام
عدد المساهمات : 622 النشاط : 0 تاريخ التسجيل : 16/10/2009 العمر : 55 الموقع : منتديات الدعوه الى الله
| موضوع: القوامة.. سعادة المرأة واستقرار الأسرة الجمعة أكتوبر 23, 2009 11:20 pm | |
| لقد جاءت شريعة الإسلام بما فيه سعادة الإنسان، وكل ما جاء من نظم وتشريعات في هذه الشريعة الغراء فيه الخير والفلاح والنجاح لبني البشر أجمعين، ورحمة للعالمين، كما قال تعالى عن نبيه ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)﴾ (الأنبياء)، وما سعد البشر إلا في ظل تطبيق شريعة الإسلام، وأقول البشر وليس المسلمين فقط، لأن غير المسلم الذي يعيش في دولة الإسلام مستفيد من تطبيق الشريعة، حيث يأخذ كل حقوقه كاملة غير منقوصة.
ومن بين التشريعات تشريعات خاصة بالأسرة، وكل ما جاء بخصوص الأسرة من تشريعات هدفه سعادة الأسرة وحمايتها واستقرارها، وإن من القواعد المهمة التي يستقر عليها بناء الأسرة هي القوامة التي أوكلها الله عز وجل للرجل بقوله: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ (النساء: من الآية 34).
هذه القوامة التي حاول أعداء الإسلام ودعاة التغريب من أبناء جلدتنا استغلالها في تحريض المرأة المسلمة عليها، مدعين أن المرأة المسلمة تعيش حياةَ قهرٍ واستبداد، وذل وخضوع من قِبل الرجل، وأنها مقيدة، ولا تستطيع الحِراك إلا بإذنه وبأمره، فحرضوها وشجعوها على التمرد بدعوى رفع الظلم عنها ومساواتها بالرجل سواء بسواء.
وإن هذه الحملة الشعواء من دعاة التغريب العلمانيين ما هي إلا دعوة للتمرد على أحكام الله، فهم يريدون تشويه صورة الإسلام، وأنه جاء لظلم المرأة ويريدون أن تتحرر المرأة المسلمة من عفتها وحيائها وحجابها ودينها؛ حتى يهدموا كيان الأسرة المسلمة، وبالتالي يُهدم المجتمع المسلم، وهو هدف أعداء الإسلام.
ولذا فسوف نوضح مفهوم القوامة، والتأصيل الشرعي لها من الكتاب والسنة، وضوابطها، وما حدث لهذا المفهوم من انحراف وتحريف؛ لتعرف المرأة قيمتها في ظل شريعة الإسلام، وأن الإسلام لا يريد لها إلا السعادةَ والخيرَ والاستقرارَ النفسي والأسري، وفي النهاية نُورد بعض الشبهات، والردود عليها حتى نقطع ألسنةَ الأعداء، ولا ينساق وراءهم المسلمون، فالخير كل الخير في اتباع هذا الدين وما جاء به من تشريعات صالحة لكل زمان ومكان، والشر كل الشر في البعد عن هذا الدين القيم واتباع كل ناعق.
القوامة لغةً واصطلاحًا القوامة في اللغة من قام على الشيء يقوم قيامًا: أي حافظ عليه وراعى مصالحه، ومن ذلك القيِّم، وهو الذي يقوم على شأن شيء ويليه، ويصلحه، والقيم هو السيد، وسائس الأمر، وقيم القوم: هو الذي يقوّمهم ويسوس أمورهم، وقيم المرأة هو زوجها أو وليها لأنه يقوم بأمرها وما تحتاج.
أما معنى القوامة اصطلاحًا: فهي ولاية يفوض بموجبها الزوج تدبير شئون زوجته، والقيام بما يصلحها.
التأصيل الشرعي للقوامة قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (النساء: من الآية 34)، فهذه الآية الكريمة هي الأصل في قوامة الزوج على زوجته، وقد نص على ذلك جمهور العلماء من المفسرين والفقهاء، ولا شك أنهم أدرى الناس بمراد الله تعالى.
يقول صاحب الظلال: "إن هذا النص- في سبيل تنظيم المؤسسة الزوجية وتوضيح الاختصاصات التنظيمية فيها لمنع الاحتكاك فيها بين أفرادها، بردهم جميعًا إلى حكم الله لا حكم الهوى والانفعالات والشخصيات- يحدد أن القوامة في هذه المؤسسة للرجل؛ ويذكر من أسباب هذه القوامة: تفضيل الله للرجل بمقومات القوامة، وما تتطلبه من خصائص ودربة، وتكليف الرجل الإنفاق على المؤسسة، وبناءً على إعطاء القوامة للرجل، يحدد كذلك اختصاصات هذه القوامة في صيانة المؤسسة من التفسخ؛ وحمايتها من النزوات العارضة، وطريقة علاج هذه النزوات- حين تعرض- في حدود مرسومة- وأخيرًا يُبيِّن الإجراءات الخارجية التي تتخذ عندما تفشل الإجراءات الداخلية، ويلوح شبح الخطر على المؤسسة، التي لا تضم شطري النفس الواحدة فحسب، ولكن تضم الفراخ الخضر، الناشئة في المحضن المعرضة للبوار والدمار" (في ظلال القرآن للشهيد سيد قطب).
وقال ابن كثير في تفسير قول الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ (النساء: من الآية34): أي الرجل قيّم على المرأة، أي هو رئيسها، وكبيرها، والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوَّجت، وجاءت أحاديث كثيرة يأمر فيها النبي- صلى الله عليه وسلم- المرأة بطاعة زوجها ما دام ذلك في حدود الشرع، وما دام ذلك في حدود قدرتها واستطاعتها، ومن هذه الأحاديث ما يأتي قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت".
مفهوم القوامة إن مفهوم القوامة ليس معناه إلقاء الأوامر والتحكُّم الجائر، أو القهر والاستبداد أو الاستعباد لمَن تحت رعايته؛ وإنما يعني القيام بشئون هذه المؤسسة بما يصلحها ورعايتها وخدمتها، وحسن معاملة مَن في هذه المؤسسة.. قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (النساء: من الآية 19)، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله"، فمن الواجب على الزوج أن يكون عطوفًا حنونًا محبًّا لأسرته، ليِّنًا في المواقف التي تتطلب اللين، حازمًا في المواقف التي تتطلَّب الحزم، وأن يكون قدوةً حسنةً في التزامه الشرعي وسلوكه؛ حتى يستطيع أن يُؤثر فيمن تحت رعايته، وعندئذ يظهر للجميع أثر القوامة الشرعية التي كلَّف الله بها الرجل لتحقيق استقرار الأسرة وسعادتها، الذي ينعكس أثره على المجتمع كله.
ولا شك أن هذا المفهوم قد تعرَّض للتحريف؛ فالبعض فهمه على أن يكون الرجل هو صاحب القرار الأوحد، لاغيًا شخصية زوجته وأولاده، فيكون مستبدًّا برأيه، فالقرار قراره والرأي رأيه، ولا مكان للشورى في البيت، ولِمَ الشورى وله القوامة؟ فهذا الصنف من الرجال فهِمَ القوامة خطأً، ألا يعلم هذا الصنف أن قدوته- صلى الله عليه وسلم- كانت يستشير زوجاته، وكان يأخذ برأيهن، ولم ينقص ذلك من رجولته ولا قوامته، بل إن المدير الناجح لأي مؤسسة هو مَن يُفعِّل الشورى بين مؤسسته، ويستمع لرأي موظفيه ويأخذ به إن رأى فيه صوابًا؛ لأنهم هم المعنيون، وكذلك ربّ الأسرة.
وبعض الرجال يفهم القوامة على أنها عبوسُ الوجه إذا دخل على أهله وأولاده، فلا يضحك معهم ولا يمازحهم، ولا يُقبِّل أولاده ولا يلعب معهم ولا مع زوجته، ويظن أن المزاح معهم يقلِّل من رجولته وقوامته؛ ونسي هذا الصنف أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يمزح مع أهله ويداعب زوجاته ويُقبِّل أولاده، وقد دخل عليه ذات مرة أعرابي فوجد النبي- صلى الله عليه وسلم- يُقبِّل الحسن والحسين، فعَجِب الأعرابي وقال له: "أوتقبلون صبيانكم"، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: "نعم".. إلخ.
وبعض الرجال يفهم القوامة على أنه هو الآمر الناهي في البيت، فلا يخدم نفسه، ولا يساعد زوجته في أعمال البيت، حتى إنه لو احتاج إلى كوب ماء، والماء أمامه، فلا يقوم ليأتي به، وإنما يطلب من زوجته إحضاره أمامه، وقد ذكرت إحدى الزوجات أن زوجها ذات مرة رجع إلى البيت متأخرًا فوجدها نائمةً وكانت متعبةً، فأيقظها.. أتدورن لماذا؟ لأنه يريد أن تعمل له كوبًا من الشاي.. سبحان الله يُوقظها من النوم من أجل كوب شاي، وهذا الزوج لا يخدم نفسه قط في أي شيء في البيت، فكل ما يحتاجه يطلبه من زوجته وإن كان شيئًا تافهًا، ويقول: "ألستُ أنا الرجل وهي المرأة؟"، وهذا نسي أن حبيبنا- صلى الله عليه وسلم- كان في مهنة أهله، فقد سُئلت السيدة عائشة- رضي الله عنها- عن حال رسول الله في بيته فقالت: "كان صلى الله عليه وسلم يخصف نعله، ويحلب شاته، ويرقع ثوبه".
القوامة خدمة ومسئولية إن القوامة- كما مرََّ من تعريفها- خدمة ومسئولية في نفس الوقت؛ حيث ورد في التعريف "قيّم المرأة هو زوجها أو وليها؛ لأنه يقوم بأمرها وما تحتاج إليه"، وهذا يدل على أن القوامة خدمة للمرأة ومسئولية؛ لأن الرجل مسئول عن أهله أمام الله عزَّ وجل، كما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته"، والزوج راعٍ في أهله ومسئولٌ عن رعيته، والرجل هو العائل لزوجته، وعلى الرجل أن يكون في خدمة أهله، ويسهر على شئونهم ويشاركهم همومهم، ويتفقَّد أحوالهم وينفق عليهم، ولا يُضيِّعهم؛ حيث يقول صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع مَن يعول".
ومن واجبات القوامة أيضًا على الرجل أن يعاشر زوجته بالمعروف، كما قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (النساء: من الآية19)، ولا شك أن المعاشرة لفظ عام يشمل جميع جوانب الحياة الأسرية، والتعاملات الزوجية التي تقع بين الزوجين، ولذلك فإن الزوج مطالب بأن يُحسن إلى زوجته من جهة تحسين الحديث، والتأدُّب معها، وعدم تحميلها ما لا تطيق، ومن جهة التجمُّل لها ومراعاة ما يُدخل السرور عليها، والتجاوز عما قد يبدر منها مما يكدر الصفو.
وإذا كان هو سيد الأسرة والمسئول عنها فيجب أن يكون عادلاً في تعامله مع زوجته، مراعيًا حقوقها وواجباتها، وكثير من الرجال اليوم يستخدمون وظيفة القوامة على أنها سيف مصْلَت على رقبة المرأة، وكأنه لا يحفظ من القرآن الكريم سوى آية القوامة، ولا من أحاديث النبي- صلى الله عليه وسلم- سوى الأحاديث التي تُبيِّن عظيم حق الزوج على زوجته، وينسى الآيات والأحاديث التي تُحذِّر الأزواجَ من ظلم أزواجهم، وإذا قام الرجل بحقِّ القوامة خير قيام سعدت المرأة وحدث الاستقرار الأسري، فالمرأة هي المستفيد الأول من القوامة.
وقد رُوي عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها فبتَّها، فأمرها النبي- صلى الله عليه وسلم- أن تعتدَّ في بيت أم مكتوم، وقال "فإذا حللتِ فآذنيني" فلما حلَّت أخبرته أن أبا جهم ومعاوية خطباني فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مالَ له، انكحي أسامة"، فكرهته فقال: "انكحي أسامة"، فنكحته، فجعل الله تعالى فيه خيرًا واغتبطت به.
سبحان الله- انظر أخي القارئ- لقد نهى النبي- صلى الله عليه وسلم- السيدة فاطمة بنت قيس أن تتزوَّج أبا جهم أو معاوية.. لماذا؟ لعدم توافر شروط القوامة فيهما، ف"أبو جهم لا يضع عصاه عن عاتقه" أي لا يعرف اللين والرفق في معاملته مع زوجته لقلبه طريقًا، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، فلا يستطيع الإنفاق، وبالتالي لن يستطيع تحمُّل مسئولية القوامة، فأمرها- صلى الله عليه وسلم- أن تتزوَّج مَن توفَّرت فيه شروط القوامة، ألا وهو أسامة؛ إذن فالقوامة خدمة ومسئولية في نفس الوقت.
أفبعد ذلك نرى امرأةً تُطالب بخلع حق القوامة من الرجل، أو أن تتساوى مع الرجل في كل شيء؟! مَن تفعل ذلك تجلب لنفسها المتاعب والمشاق؛ لأنها ستُحرم مِنْ مَنْ يقوم على خدمتها وتوفير احتياجاتها، وستُلاقي العنت والمشقة جرَّاء فقدانها هذا الأمر.
واليوم نرى نساء الغرب يشتكين الويلات بسبب تحررهن من تعاليم الإسلام؛ حيث تقول الروائية الإنجليزية الشهيرة أجاثا كريستي: "إن المرأة مغفلة؛ لأن مركزها في المجتمع يزداد سوءًا يومًا بعد يوم؛ لأننا بذلنا الجهد الكبير للحصول على حقِّ العمل والمساواة مع الرجل، ومن المحزن أننا أثبتنا- نحن النساء- أننا الجنس اللطيف الضعيف، ثم نعود لنتساوى اليوم في الجهدِ والعرق اللذين كانا من نصيب الرجل وحده".
المرأة والقوامة إذن القوامة لا تعني إلغاء حقوق المرأة وتهميش شخصيتها، ولا تعني أيضًا الإذن للرجل بإيذاء المرأة والنيل منها، يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: "ينبغي أن نقول إن هذه القوامة ليس من شأنها إلغاء شخصية المرأة في البيت ولا في المجتمع الإنساني، ولا إلغاء وضعها المدني، وإنما هي وظيفة داخل كيان الأسرة لإدارة هذه المؤسسة الخطيرة، وصيانتها وحمايتها، ووجود القيّم في مؤسسة ما لا يلغي وجود شخصية أخرى أو إلغاء حقوق الشركاء فيها، فقد حدَّد الإسلام في مواضع أخرى صفة قوامة الرجل، وما يصاحبها من عطف، ورعاية وصيانة وحماية، وتكاليف في نفسه وماله، وآداب في سلوكه مع زوجته وعياله".
وإذا كانت القوامة بهذا المعنى فيجب على المرأة أن تؤدي ما عليها من واجبات تجاه هذه القوامة؛ حتى تتحقق لها السعادة ويتحقق الاستقرار الأسري، فيجب عليها طاعة زوجها في المعروف، وأن تقوم على شئون زوجها؛ من رعاية جميع أموره، فتحفظ ماله، وتراعي كتم أسراره التي لا يأذن بنشرها بين الناس، وتتعاهد مأكله ومشربه ومنامه، ولقد كان هذا هو شأن الصحابيات رضوان الله تعالى عليهن، ويكفي المرأة المسلمة حديث الحبيب- صلى الله عليه وسلم-: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت".
وخلاصة القول.. إن القوامة الزوجية في الإسلام ليست تسلُّطًا ولا قهرًا، وليست سلبًا لحقوق المرأة، أو حطًّا من كرامتها، بل هي تقديرٌ وتشريف لها ورفعة لشأنها، وإقرار بكرامتها، وفيها سعادتها واستقرار أسرتها، وإن البيت الذي يقوم فيه الزوج بحق القوامة خير قيام، وتقوم زوجته بواجباتها تجاه زوجها، تظلل عليه السعادة، وترفرف عليه أجنحة الرحمة والمودة والصفاء. | |
|